أحسّ بطعمٍ لذيذٍ لهذا الطّعام لم يتذوّقه من قبل ففيما مضى كان شُعوره بالقهر يتسبّب له دومًا بغصّةٍ في حلقه تُفسد عليه طعم أيّ لقمةٍ يأكلها ولكن اليوم أكل وهو حُرٌّ سعيدٌ دون منغّصاتٍ. أكل حتى شبع بل وحتّى أصابته التُّخمة ونال منه الخُمول فاستلقى على ظهره بين الأزهار ونَظر إلى السّماء يتأمّل سحاباتها البيضاء، هذه على شكل منزلٍ وتلك على شكل ديكٍ والأخرى على شكل محراثٍ. ابتسم عند رُؤية هذه الأخيرة وتتبّعها بنظره بينما دفعها الهواء بعيدًا. أخيرًا تحرّر من هذا العبء، أخيرًا صار خفيفًا دون أحمالٍ، أخيرًا صار حرًّا.
عاد يُشاهد الغُيوم الأخرى، شيئًا فشيئًا رأى غيمةً تتّخذ شكلاً جديدًا ما إن اكتملت صُورتها حتّى أحسّ بألمٍ في قلبه وأحسّ وكأنّ غُصّته الّتي بالكاد تخلّص منها قد عادت من جديدٍ. كانت هذه الغيمة تُشبه والدته الحبيبة. رغم أنّه لم يمضِ على فراقها إلا بضع ساعاتٍ إلا أنّه اشتاق إليها كثيرًا ولكنّه لا يُريد أن يعرف الحُزن طريقًا إلى قلبه من جديدٍ فانتفض في مكانه ونهض من خُموله وقرّر أن يعود للهوه.